فصل: من هداية الآية الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير



.تفسير الآيات (13- 16):

{أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)}

.شرح الكلمات:

{ألا}: أداة تحضيض.
{نكثوا أيمانهم}: نقضوها وحلوها فلم يلتزموا بها.
{هموا بإخراج الرسول}: من دار الندوة إذ عزموا على واحد من ثلاث الحبس أو النفي أو القتل.
{أول مرة}: أي في بدر أو في ماء الهجير حيث أعانت قريش بني بكر على خزاعة.
{ويخزهم}: أي يذلهم ويهينهم.
{ويشف صدور}: أي يذهب الغيظ الذي كان بها على المشركين الظالمين.
{ان تتركوا}: أي بدون امتحان، بالتكاليف كالجهاد.
{وليجه}: أي دخيله وهي الرجل يدخل في القوم وهو ليس منهم ويطلعونه على أسرارهم وبواطن أمورهم.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الحديث عن المشركين وما يلزم إزاءهم من إجراءات فإنه بعد أن أعطاهم المدة المذكورة وأمنهم فيها وهي أربعة أشهر، وقد انسلخت فلم يبق إلا قتالهم وأخذهم وإنهاء عصبة المشركين وآثارها في ديار الله فقال تعالى حاضاً المؤمنين مهيجاً لهم {ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم} وهذه خطيئة كافية في وجوب قتالهم، وثانية همهم بإخراج الرسول من بين أظهرهم من مكة وثالثة بدؤهم إياكم بالقتال في بدر، إذ عيرهم نحت وأبوا إلا أن يقاتلوكم، إذاً فلم لا تقاتلونهم؟ أتتركون قتالهم خشية منهم وخوفاً إن كان هذا {فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين}، لأن ما لدى الله تعالى من العذاب ليس لدى المشركين فالله أحق أن يخشى، هذا ما تضمنته الآية الأولى (13) وهي قوله تعالى: {ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدؤوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين} وفي الآية الثانية (14) يقول تعالى: {قاتلوهم} وهو أمر صريح بالقتال، وبذكر الجزاء المترتب على قتالهم فيقول {يعذّبهم الله بأيدكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} وهم خزاعة تشفى صدورهم من الغيظ على بني بكر الذين قاتلوهم وأعانتهم قريش عليهم بعد صلح الحديبية، وقوله تعالى: {ويتوب الله على من يشاء} هذه وإن لم تكن جزاء للأمر بالقتال كالأربعة التي قبلها. ولكن سنة الله تعالى أن الناس إذا رأوا انتصار أعدائهم عليهم في كل معركة يميلون إليهم ويقبلون دينهم وما هم عليه من صفات فقتال المؤمنين للكافرين وانتصارهم عليهم يتيح الفرصة لكثير من الكافرين فيسلمون وهو معنى قوله تعالى: {ويتوب الله على من يشاء} وقوله: {والله عليم حكيم} تقرير للأمر بالقتال والنتائج الطيبة المترتبة عليه آخرها أن يتوب الله على من يشاء. وقوله تعالى في الآية (16) الأخيرة {أم حسبتم أن تتركوا} أي بدون امتحان. وأنتم خليط منكم المؤمن الصادق ومنكم المنافق الكاذب، من جملة ما كان يوحى به المنافقون التثبيط عن القتال بحجة ان مكة فتحت وأن الإِسلام عز فما هناك حاجة إلى مطاردة فلول المشركين، وهم يعلمون أن تكتلات يقودها الساخطون على الإِسلام حتى من رجالات قريش يريدون الانقضاض على المسلمين وإهدار كل نصر تحقق لهم، وهذا المعنى ظاهر من سياق الآية: {أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة} إذ هناك من اتخذوا من دون الله ورسوله والمؤمنين وليجة يلطعونها على أمور المسلمين، ويسترون عليهم وهي بينهم دخلية، ويقرر هذه الجملة التي ختمت بها الآية وهي قوله تعالى: {والله خبير بما تعملون}.

.من هداية الآيات:

1- مشروعية استعمال أسلوب التهييج الإِثارة للجهاد.
2- وجوب خشية الله تعالى بطاعته وترك معصيته.
3- لازم الإِيمان الشجاعة فمن ضعفت شجاعته ضعف إيمانه.
4- من ثمرات القتال دخول الناس في دين الله تعالى.
5- الجهاد عملية تصفية وتطهير لصفوف المؤمنين وقلوبهم أيضاً.

.تفسير الآيات (17- 18):

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17) إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}

.شرح الكلمات:

{ما كان للمشركين}: أي ليس من شأنهم أو مما يتأتى لهم.
{حبطت أعمالهم}: أي بطلت فلا يثابون عليها ولا ينجحون فيها.
{يعمروا مساجد الله}: أي بالعبادة فيها، وصيانتها وتطهيرها.
{ولم يخش إلا الله}: أي لم يخف أحداً غير الله تعالى.
{فعسى}: عسى من الله تعالى كما هي هنا تفيد التحقيق أي هدايتهم محققة.
{المهتدين}: أي إلى سبيل النجاة من الخسران والظفر بالجنان.

.معنى الآيتين:

لا شك أن هناك من المشركين من ادعى أنه يعمر المسجد الحرام بالسدانة والحجابة والسقاية وسواء كان المدعى هذا العباس يوم بدر أو كان غيره فإن الله تعالى أبطل هذا الادعاء وقال: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله} أي لا ينبغي له ذلك ولا يصح منهم، وكيف وهم كفار شاهدون على أنفسهم بالكفر، وهل الكافر بالله يعمر بيته وبماذا يعمره؟ وإذا سألت اليهودي ما أنت؟ يقول يهودي، وإذا سألت النصراني، ما أنت؟ يقول نصراني، وإذا سألت الوثني ما أنت؟ يقول مشرك فهذه شهادتهم على أنفسهم بالكفر، وقوله تعالى: {أولئك} أي البعداء في الكفر والضلال {حبطت أعمالهم} أي بطلت وضاعت لفقدها الإِخلاص فيها لله تعالى {وفي النار هم خالدون} لا يخرجون منها متى دخولها أبداً، إذ ليس لهم من العمل ما يشفع لهم بالخروج منها. ثم قرر تعالى الحقيقة وهى أن الذين يعمرون مساجد الله حقاً وصدقاً هم المؤمنون الموحدون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويخشون الله تعالى ولا يخشون سواه هؤلاء هم الجديرون بعمارة المساجد بالصلاة والذكر والتعلم للعلم الشرعي فيها زيارة على بنائها وتطهيرها وصيانتها هؤلاء جديرون بالهداية لكل كما وخير يشهد لهذا قوله تعالى: {فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين} إلى ما هو الحق والصواب، وإلى سبيل النجاة من النار والفوز بالجنة.

.من هداية الآيتين:

1- حرمة دخول الكافر المساجد إلا لحاجة وبإذن من المسلمين.
2- فضيلة عمارة المساجد بالعبادة فيها وتطهيرها وصيانتها.
3- فضيلة المسلم وشرفه، إذ كل من يسأل عن دينه يجيب بجواب هو الكفر إلا المسلم فإنه يقول: مسلم أي لله تعالى فهو إذاً المؤمن وغيره الكافر.
4- وجوب الإِيمان بالله واليوم الآخر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والخشية من الله تعالى.
5- أهل الأمن والنجاة من النار هم أصحاب الصفات الأربع المذكورة في الآية.

.تفسير الآيات (19- 22):

{أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}

.شرح الكلمات:

{سقاية الحاج}: مكان يوضع فيه الماء في المسجد الحرا ويسقى منه الحجاج مجاناً.
{وعمارة المسجد الحرام}: هنا عباة عن بنائه وصيانته وسدانة البيت فيه.
{لا يستوون عند الله}: إذ عمارة المسجد الحرام مع الشرك والكفر لا تساوى شيئاً.
{والله لا يهدي القوم الظالمين}: أي المشركين لا يهديهم لما فيه كمالهم وسعادتهم.
{ورضوان}: أي رضا الله عز وجل عنهم.
{نعيم مقيم}: أي دائم لا يزول ولا ينقطع.

.معنى الآيات:

ما زال السياق في الرد على من رأى تفضيل عمارة المسجد الحرام بالسقاية والحجابة والسدانة على الإِيمان والهجرة والجهاد فقال موبخاً لهم {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون} في حكم الله وقضائه بحال من الأحوال، والمشركون ظالمون كيف يكون لعمارتهم للمسجد الحرام وزن أو قيمة تذكر {والله لا يهدي القوم الظالمين} بعد هذا التوبيخ والبيان للحال أخبر تعالى أن {الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم} هم {أعظم درجة} ممن آمنوا ولم يستكملوا هذه الصفات الأربع، وأخبر تعالى أنهم هم الفائزون بالنجاة من النار ودخول الجنة، وأعظم من هذا ما جاء في قوله: {يبشرهم ربهم برحمة منه} وهي الجنة {ورضوان} منه تعالى وهو أكبر نعيم {وجنات} أي بساتين في الملكوت الأعلى {لهم فيها نعيم مقيم} لا يحول ولا يزول وأنهم خالدون فيها لا يخرجون منها أبداً، {وإن الله عنده أجر عظيم} لا يقادر قدره جعلنا الله تعالى منهم وحشرنا في زمرتهم.

.من هداية الآيات:

1- أكمل المؤمنين وأعلاهم درجة، وأقربهم من الله منزلة من جمع الصفات الثلاث المذكورة في الآية (20) وهي الإِيمان والهجرة والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس.
2- فضل الهجرة والجهاد.
3- تفاوت أهل الجنة في علو درجاتهم.
4- حرمان الظالمين المتوغّلين في الظلم من هداية الله تعالى.

.تفسير الآيات (23- 24):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (23) قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (24)}

.شرح الكلمات:

{أولياء}: جمع وليّ وهو من تتولاه بالمحبة والنصرة ويتولاك بمثل ذلك.
{استحبوا}: أي أحبوا الكفر على الإِيمان.
{الظالمون}: الظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومن أحب من لا تجوز محبته فقد وضع شيئاً في غير موضعه فهو ظالم.
{وعشيرتكم}: أي قرابتكم من النسب كالأعمام الأباعد وأبنائهم.
{اقترفتموها}: أي اكتسبتموها.
{كسادها}: بوارها وعدم رواجها.
{فتربصوا}: أي انتظروا.
{حتى يأتي الله بأمره}: أي بعقوبة هذه المعصية يوم فتح مكة.

.معنى الآيتين:

هذا إنذار الله تعالى للمؤمنين ينهاهم فيه عن اتخاذ من كفر من آبائهم وإخوانهم أولياء لهم يوادونهم ويناصرونهم ويطلعونهم على أسرار المسلمين وبواطن أمورهم. فيقول تعالى: {يا أيها الذين آمنوا} أي بالله ورسوله ولقاء الله ووعده ووعيده {لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإِيمان} أي اثروا الكفر والإِصرار عليه على الإِيمان بالله ورسوله ثم يهددهم إن لم يمتثلوا أمره ويفاصلوا آباءهم وإخوانهم المستحبين للكفر على الإِيمان فيقول {ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون} ووجه الظلم ظاهر وهو أنهم وضعوا المحبة موضع البغضاء، والنصرة موضع الخذلان. والظلم هو وضع الشيء في غير موضعه. ثم أمر تعالى رسوله أن يقول لهم، وفي هذا العدول عن خطابهم مباشرة إلى الواسطة ما يشعر بالغضب وعدم الرضى، والتهديد والوعيد {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله} فتركتم الهجرة والجهاد لذلك {فتربصوا حتى يأتي الله بأمره} أي انتظروا أمر الله وهو فتح مكة عليكم وإنزال العقوبة بكم، {والله لا يهدي القوم الفاسقين} أي لا يوفقهم لسبيل نجاتهم وسعاتهم.

.من هداية الآيات:

1- حرم اتخاذ الكافرين أولياء يُوادون ولو كانوا من أقرب الأقرباء كالأب والابن والأخ.
2- من الظلم الفظيع موالاة من عادى الله ورسوله والمؤمنين.
3- فرضية محبة الله ورسوله والجهاد في سبيله، ومحبة سائر محاب الله تعالى وكره سائر مكاره الله تعالى من العقائد والأحوال والأعمال الذوات والصفات.
4- حرمان أهل الفسق المتوغلين فيه من هداية الله تعالى إلى ما يكملهم ويسعدهم.

.تفسير الآيات (25- 28):

{لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ (25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (26) ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (27) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28)}

.شرح الكلمات:

{في مواطن}: المواطن جمع موطن بمعنى الوطن وهو محل إقامة الإِنسان.
{حنين}: وادٍ على بعد أميال يسيرة من الطائف.
{إذ أجبتكم كثرتكم}: أي كثرة عددكم حتى قال من قال: لن نغلب اليوم من قلة.
{فلم تغن عنكم شيئاً}: أي لم تجز عنكم شيئاً من الإِجزاء إذا انهزمتهم في أول اللقاء.
{وضاقت عليكم الأرض}: أي لم تعرفوا أين تذهبون، وكيف تتصرفون كأنكم محصورون في مكان ضيق.
{بما رحبت}: أي على رحابتها وسعتها.
{أنزل الله سكينته}: أي الطمأنينة في نفوسهم، فذهب القلق الاضطراب.
{وأنزل جنودا}: أي من الملائكة.
{نجس}: أي ذوو نجس وذلك لخبث أرواحهم بالشرك.
{بعد عامهم هذا}: عام تسعة من الهجرة.
{عيلة}: أي فقراً وفاقة وحاجة.

.معنى الآيات:

لم حرم الله على المؤمنين موالاة الكافرين ولو كانوا اقرباءهم وحذرهم من العقود عن الهجرة والجهاد، وكان الغالب فيمن يقعد عن ذلك إنما كان لجبنه وخوفه أخبرهم تعالى في هذه الآيات الثلاث أنه ناصرهم ومؤيدهم فلا يقعد بهم الجبن والخوف عن أداء الواجب من الهجرة والجهاد فقال تعالى: {لقد نصركم الله في مواطن كثيرة} كَبَدْر والنضير وقريظة والفتح وغيرها {ويوم حنين} حين قاتلوا قبيلة هوازن مذكراً إياهم بهزيمة أصابت المؤمنين نتيجة خطأ من بعضهم وهو الاغتار بكثرة العدد إذ قال من قال منهم: لن نغلب اليوم من الوادي حتى رماهم العدو بوابل من النبل والسهام فلم يعرفوا كيف يتصرفون حتى ضاقت عليهم الأرض على سعتها وولوا مدبرين هاربين ولم يثبت إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان على بغلته البيضاء المسماة (بالدُلْدُل) والعباس إلى جنبه وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه، ثم نادى منادي رسول الله: أن يا أصحاب سورة البقرة هلموا أصحاب السمرة (شجرة بيعة الرضوان) هلموا. فتراجعوا إلى المعركة ودارت رحاها و{أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنوداً} تلامس القلوب وتنفخ فيها روح الشجاعة والصبر والثبات، فصبروا وقاتلوا وما هي إلا ساعة وإذا بالعدو سبي بين أيديهم ولم يحصل لهم أن غنموا يوما مثل ما غنموا هذا اليوم إذ بلغ عدد الإِبل اثني عشر ألف بعير، ومن الغنم مالا يحصى ولا يعد. بهذا جاء قوله تعالى: {ويوم حنين إذا أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين} أي هاربين من العدو {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزال جنوداً} أي من الملائكة {لم تروها} {وعذاب الذين كفروا} أي هوازن {وذلك} أي القتل والسبي {جزاء الكافرين} بالله ورسوله. وقوله تعالى: {ثم يتوب الله على من يشاء} أي قتالكم للكافرين وقتلكم من تقتلون يتوب الله على من يشاء ممن بقوا أحياء بعد الحرب {والله غفور رحيم} فيغفر لمن يتوب عليه من المشركين ماضى ذنوبه من الشرك وسائر الذنوب ويرحمه بأن يدخله الجنة مع من يشاء من المؤمنين الصادقين في إيمانهم هذا ما دلت عليه الآيات الثلاث.
أما الآية الرابعة {يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} فإنه تعالى أمر المؤمنين بأن يمنعوا من دخول المسجد الحرام كل مشرك ومشركة لأن المشرك نجس الظاهر والباطن فلا يحل دخولهم إلى المسجد الحرام وهو مكة والحرم حولها، ومن يومئذ لم يدخل مكة مشرك، وقوله تعالى: {وإن خفتم عيلة} أي فقراً لأجل انقطاع المشركين عن الموسم حيث كانوا يجلبون التجارة يبيعون ويشترون فيحصل نفع للمسلمين {فسوف يغنيكم الله من فضله} فامنعوا المشركين ولا تخافوا الفقر وقوله تعالى: {إن شاء إن الله عليم حكيم} استثناء منه تعالى حتى تبقى قلوب المؤمنين متعلقة به سبحانه وتعالى راجية خائفة غير مطمئنة غافلة، وكونه تعالى عليماً حكيماً يرشح المعنى المذكور فإن ذا العلم والحكمة لا يضع شيئاً إلا في موضعه فلابد لمن أراد رحمة الله أو فضل الله أن يجتهد أن يكون أهلاً لذلك، بالإِيمان والطاعة العامة والخاصة.

.من هداية الآيات:

1- حرمة العجب بالنفس والعمل إذ هو أي العجب من العوائق الكبيرة عن النجاح.
2- بيان إفضال الله تعالى وإكرامه لعباده المؤمنين.
3- بيان الحكمة من القتال في سبيل الله تعالى.
4- تقرير نجاسة الكافر المعنوية.
5- منع دخول المشرك الحرم المكي كائناً من كان بخلاف باقي المساجد فقد يؤذن للكافر لمصلحة أن يدخل بإذن المسلمين.
6- لا يمنع المؤمن من امتثال أمر ربّه الخوف من الفاقة والفقر فإن الله تعالى تعهد بالإِغناء إن شاء.

.تفسير الآية رقم (29):

{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}

.شرح الكلمات:

{لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر}: أي إيماناً صحيحاً يرضاه الله تعالى لموافقة الحق والواقع.
{ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله}: أي كالخمر والربا وسائر المحرمات.
{ولا يدينون دين الحق}: أي الإِسلام إذ هو الدين الذي لا يقبل ديناً سواه.
{من الذين أوتوا الكتاب}: أي اليهود والنصارى.
{الجزية}: أي الخراج المعلوم الذي يدفعه الذمي كل سنة.
{عن يد وهم صاغرون}: أي يقدمونه بأيديهم لا ينيبون فيه غيرهم، وهم صاغرون: أي أذلاء منقادون لحكم الإِسلام هذا.

.معنى الآية الكريمة:

لما أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بقتال المشركين حتى يتوبوا من الشرك ويوحدوا ويعبدوا الله تعالى بما شرع أمر رسوله في هذه الآية والمؤمنين بقتال أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى إلى أن يسلموا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وجعل إعطاء الجزية غايةً لنهاية القتال، لا الإِسلام لأن الإِسلام يعرض أولاً على أهل الكتاب فإن قبلوه فذاك وإن رفضوه يطلب الدخول في ذمة المسلمين وحمايتهم تحت شعار الجزية وهي رمز دال على قبولهم حماية المسلمين وحكمهم بشرع الله تعالى فإذا أعطوها حقنوا دماءهم وحفظوا أموالهم، وأمنوا في حياتهم المادية والروحية، هذا ما تضمنته الآية الكريمة: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب يعطوا الجزية عن يد وه صاغرون} وإن قيل اليهود في إيمانهم بالله مشبهة مجسمة يصفون الله تعالى بصفات تعالى الله عنها علواً كبيراً، والنصارى يعتقدون أن الله حلّ في المسيح، وإن الله ثالث ثلاثة والله ليس كذلك فهم إذاً لا يؤمنون بالله تعالى كما هو الله الإِله الحق، فلذا إيمانهم باطل وليس بإيمان يضاف إلى ذلك أنهم لو آمنوا بالله لآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ولو آمنوا باليوم الآخر لأطاعوا الله ورسوله لينجوا من عذاب اليوم الآخر وليسعدوا فيه بدخول الجنة فلما لم يؤمنوا ولم يعملوا كانوا حقاً كافرين غير مؤمنين، وصدق الله العظيم حيث نفى عنهم الإِيمان به وباليوم الآخر، والله أعلم بخلقه من أنفسهم.

.من هداية الآية الكريمة:

1- وجوب قتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يدخلوا في حكم الإِسلام وذلك من أجل إعدادهم للإِسلام ليكملوا عليه ويسعدوا به.
2- الإِيمان غير الصحيح لا يعتبر إيماناً منجياً ولا مسعداً.
3- استباحة ما حرم الله من المطاعم والمشارب والمناكح كفر صريح.
4- مشروعية أخذ الجزية من أهل الكتاب وهي مقدّرة في كتب الفقه مبينة وهي بحسب غنى المرء وفقره وسعته وضيقه.